500 مليار حجم الأوقاف.. وتعقيدات التمويل أبرز التحديات
الأمين العام لمؤسسة «سعفة»: الاستقلالية والعمل المؤسسي وتطوير المنتجات أهم أدوات النجاح لهيئة الأوقاف الجديدة

الرياض - محمد الهمزاني

صدر قرار مجلس الوزراء مؤخرا بإنشاء الهيئة العليا للأوقاف بهدف تنظيم قطاع الاوقاف ليسهم في الجهود التنموية التي تقودها الدولة..

ولمعرفة المزيد حول قطاع الاوقاف في المملكة ومستقبله بعد انشاء الهيئة والتحديات التي تواجه الهيئة الجديدة فقد التقت "الرياض" عبدالله بن محسن النمري الأمين العام لمؤسسة سعفة القدوة الحسنة، والخبير المصرفي وأحد الباحثين المهتمين بالمصرفية الاسلامية وتطوير قطاع الاوقاف في المملكة، لتسلط الضوء على قطاع الأوقاف في المملكة وسبل تنميته وتطويره.

انعكاس إنشاء الهيئة على قطاع لأوقاف

*"الرياض" كيف ترى إعلان إنشاء هيئة عليا للأوقاف؟ وانعكاس ذلك على القطاع؟

- القرار جاء في الوقت المناسب، وهو يؤكد جهود الدولة وعزمها على هيكلة قطاع الأوقاف وتنظيمه من خلال نظام الهيئة العامة للأوقاف، بما يمكن لهذا القطاع الحيوي من تأدية دوره الاقتصادي والاجتماعي وتجاوز العقبات التي حالت دون نمو الاوقاف في السابق فرغم كبر حجم قطاع الأوقاف في العالم الإسلامي بعامة وفي المملكة بخاصة، وأثر الوقف الواضح على الاقتصاد والمجتمع، إلا أنه لم يلق الاهتمام المطلوب الذي ينهض بالقطاع وينميه، وذلك لأسباب وتحديات مختلفة منها ما يتعلق بشرط الواقف، وبالتشريعات والخدمات والكفاءات التي تحكم وتنظم الاوقاف.

والمأمول من الهيئة بهيكلها المقترح وتنظيمها المؤسسي الذي يفترض فيه توفر الكفاءات الاقتصادية والعمل المؤسسي أن تعيد للأوقاف أهميتها والتي كانت على مر التاريخ جزءاً رئيساً من مكونات الاقتصاد الاسلامي، والركن الشديد الذي يُرتكز عليه في مواجهة الاعباء الاقتصادية للمجتمع الاسلامي، وقد جسدت الاوقاف جانب المسؤولية الاجتماعية قبل الدعوة لها والحث عليها بمعناها الحديث.

الأوقاف تخفض نسب البطالة

*"الرياض" ما الآثار الاقتصادية المترتبة على تطوير الاوقاف ؟

- للأوقاف أثر على الاقتصاد بشقيه الكلي والجزئي وتفريعاتهما، نتيجة تحويل أموال الواقفين – ابتداء – وإيرادات الأوقاف إلى أصول منتجة، فآلية الوقف اقتصاديا تزاوج بين الادخار والاستثمار، كما أن الأوقاف تساهم في تخفيض نسب البطالة بتوليدها لوظائف بمختلف الدرجات في المشروعات والاستثمارات الوقفية مباشرة، أو في القطاعات الخدمية التي تنشأ لخدمة المشروعات الوقفية. كما أن مصارف الاوقاف على المستحقين له تنمي الطلب على السلع والخدمات وتنشط الحركة الاستثمارية، كما أن دعم وتطوير الأوقاف الزراعية يشمل كل ما سبق من الفوائد الاقتصادية، إضافة إلى أنه خطوة عملية على طريق تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع.

والوقف رافد رئيس لتمويل النشاط الخيري في أي مجتمع، وطبيعة الوقف وشروطه وضوابطه تتناسب مع الحاجة الدائمة للمؤسسات والجمعيات الخيرية بعكس الصدقات المخصصة لاحتياجات معينة تنقضي بانقضائها. ولعل من أهم مميزات الوقف كذلك تعزيز مشاركة المجتمع في الشأن العام، فعلى مدار التاريخ الإسلامي كانت الأوقاف الممول الرئيس للإنفاق الاجتماعي في مجالات الصحة والتعليم والطرق، وسقيا المياه، وبناء المساجد والأربطة الخيرية.

500 مليار ريال

*"الرياض" ما هو حجم قطاع الاوقاف في المملكة العربية السعودية؟

- الإحصاءات حول حجم قطاع الأوقاف في المملكة ومعدلات عوائده، متضاربة نتيجة كما اسلفت لعدم وجود مرجعية متخصصة، وهناك ارقام تذكر أنها تجاوزت 500 مليار ريال ومعدل عوائدها 5%، ومنها ما كان متحفظاً فأورد أرقاماً دون ذلك، وأعتقد أن الرقم يتجاوز ذلك في الحجم والعوائد، ولعل أهم خطوة على طريق هيكلة وتنظيم قطاع الأوقاف في المملكة هي إحصاء وحصر عدد الأوقاف وقيمها ومعدلات عوائدها، وكفاءتها التشغيلية والإدارية، وهو أمر أعتقد أن اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للأوقاف ستؤكد عليه.

التحديات

*"الرياض" ما هي أبرز التحديات التي تواجه قطاع الاوقاف؟

- أرى أن أبرز تحدٍ واجه الأوقاف وعطل تنميتها، وحال دون الاستفادة منها على أكمل وجه هو "التمويل"، فبوجه عام أحجمت المؤسسات المالية عن تمويل المشروعات الوقفية وتطويرها بسبب القيود على رهنها أو إفراغها ضماناً للتمويل، ومعلوم أن رهن أو إفراغ الوقف لا يجوز شرعا. فانصرفت المؤسسات المالية لتمويل قطاعات استثمارية أخرى أخف قيوداً من الأوقاف، وإن كانت - في مجملها – لا تختلف في طبيعة نشاطها وإدارتها وربحيتها عن الاستثمارات الوقفية المشابهة لها، كفنادق المنطقتين المركزيتين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ومن التحديات التي تواجه قطاع الأوقاف كذلك الوصول للكفاءات القادرة على النهوض بالأوقاف وتنميتها، وسبق أن وقفت على أوقاف معطلة أو غير مشغلة بكفاءة عالية في مدن مختلفة، ومن أهم أسباب ذلك عدم تفرغ الناظر لتطوير الوقف أو انشغاله بأمور مختلفة منها على سبيل المثال متابعته لاستثماراته الخاصة. كما أن اختيار الناظر بناء على صلة القرابة أو السن أو المكانة الاجتماعية أو الأسرية، قد يكون مانعاً رئيساً لتطوير الوقف أو استدامته. فالناظر هو "مدير الأصول" الذي يجب أن يتحلى بالمهارة والكفاءة المطلوبة التي يضمن بها أن يستمر الوقف وينمى. وهو ما يؤكد الحاجة إلى دراسة آليات وطرق تطوير النظارة وتدريب النظار، وأعلم جيداً أن من الواقفين من يفضل قيام شركات أو هيئات متخصصة بإدارة أوقافه والصرف على الموقوف عليهم وتنمية الوقف.

حلول المشكلة

*"الرياض" وما الحلول المناسبة برأيكم؟

- قد يكون حل هذه المعضلة في أحد أمرين:

الأول: تأسيس مصرف للأوقاف أو شركة مالية تطرح للاكتتاب العام، وتساهم فيها صناديق الدولة الاستثمارية، تهدف فقط لتمويل الاوقاف وتطويرها، وتعبئة الموارد المالية لذلك، إما بتمويل مباشر للمشروعات الوقفية، أو عن طريق طرح صناديق استثمارية لمشروعات وقفية محددة. وتساهم إدارة تطوير المنتجات في هذه الشركة المالية في تطوير منتجات مالية إسلامية مبتكرة تلبي حاجة قطاع الأوقاف، وتكون بوابة للولوج لأسواق رأس المال المحلية والإقليمية والدولية.

الثاني: تأسيس شركة مساهمة عامة لتطوير الأوقاف، هدفها استثمار الاوقاف وتشغيلها بعقود طويلة الأجل، وتنفتح هذه الشركة على المؤسسات المالية الاستثمارية المرخصة من هيئة السوق المالية السعودية التي تؤسس صناديق وقفية تعبئ الموارد المالية لاستثمار وتطوير الأوقاف العقارية والزراعية والنقدية بحسب نظام هيئة السوق المالية، أو أن تقوم المصارف التجارية بتمويل جزء من نشاط شركة تطوير الأوقاف، وتضمنها لدى المصارف صناديق الدولة الاستثمارية التي يؤمل منها المساهمة في تأسيس الشركة. وبالتوازي مع ذلك تعمل شركة تطوير الاوقاف استراتيجيا على تشكيل تحالفات مع مستشارين محليين وعالميين لتطوير أدائها ومخرجاتها وإعداد الكفاءات التي تخدم القطاع.

من الحلول الممكنة لتطوير النظارة دراسة الترخيص لشركات تقدم خدمات النظارة الاستشارية والميدانية تخضع لتصنيف وإشراف من هيئات حكومية متخصصة تشرف عليها وتراقب عملها ونتائج إدارتها وتشغيلها للأوقاف. وتفعيل استخدام التقنية في خدمات إدارة الأصول الوقفية لتحقيق فعالية أكبر، ورقابة أشمل يضمن بها مستوى أعلى من الشفافية.

وأعتقد أن طبيعة الأوقاف الاستثمارية والعقارية تمكن من مقارنة أداء النظار بنظرائهم في القطاعات المختلفة.

حوكمة المؤسسات والشركات الوقفية

*وكيف يمكن تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في قطاع الاوقاف؟

- حوكمة المؤسسات والشركات الوقفية وتعزيز الشفافية والنزاهة والعدالة والمساءلة تساهم في تحجيم الفساد المحتمل ظهوره ومكافحته، وبالتالي ضمان استدامة الاوقاف وتطورها وتنميتها، أرى أن إصدار لائحة استرشادية لحوكمة المؤسسات والشركات الوقفية، إجراء مهم لضمان ما ذكر، وأعتقد أن فرض اللائحة متطلباً للترخيص للشركات والمؤسسات العقارية أدعى لتبنيها وتطبيقها. والمطلع على الوقف في الإسلام والعارف بالإدارة الحديثة والتمويل يلاحظ أن ما حدده الشرع من شروط وضوابط للوقف ألزم بها الواقف تجاه الموقف عليهم والوقف، وحدد أدوار النظارة وأهليتهم، كل ذلك بحق حوكمة نظمت بها علاقة المستفيدين من الوقف والقائمين عليه، يكون فيها النظار أفراداً ومجالس مسؤولي مطابقة والتزام.